إشكالية المؤتمر

رغم أن المجتمعات البشرية عرفت الإعلام بمفهومه الواسع منذ آلاف السنين، إلا أن التحول الجذري والكبير الذي شهده الإعلام خلال القرن الماضي، والذي أدى إلى تطوير أدواته ووسائله وأهدافه، عمل أيضاً على تحويله من مجرد أداة أو وسيلة محددة الغايات، إلى كيان مؤسسي اجتماعي شديد التأثير والفعالية، ومترابط مع غيره من المؤسسات الأخرى، إذ إن الانتشار الواسع للطباعة، ثم اختراع المذياع والتلفزيون، ثم التطور المتسارع لتكنولوجيا الاتصالات، قد أسهم ذلك كله في تعاظم دور الإعلام وتأثيره حتى بات من أهم العناصر الفاعلة في سياسات الدول واقتصاداتها، وفي الحفاظ على أمنها الاجتماعي والثقافي إلى حد بعيد.

ومع مطلع الألفية الثالثة، وتطور الاستخدامات المهمة لشبكة الانترنت، والتي ضمنت للمعلومات سرعة الوصول وسعة الانتشار، وعملت على تحويل العالم المتباعد الأطراف إلى قرية صغيرة، أصبح الإعلام الرقمي التفاعلي، أو ما يسمى بـ "الإعلام الجديد" سمة العصر الذي بات يُعرف على نطاق واسع باسم "عصر الإعلام". ورغم أن الإعلام الجديد لم يلغ وسائل الإعلام التقليدية القديمة (الصحيفة والمذياع والتلفاز)، فقد عمل على تطوير هذه الوسائل وتجديد آليات عملها، وخصوصاً من جهة دمجها بعدما كانت مستقلة عن بعضها، والسماح بتفاعل المستقبل ومشاركته بعدما كان دوره محصوراً في التلقي السلبي للمعلومات دون المشاركة في انتاجها أو التفاعل معها.

من جهة ثانية، ما زال الوصول إلى تعريف شامل ومتفق عليه للإعلام الجديد يصطدم بمعوقات معرفية وتقنية، شأنه في ذلك شأن أغلب المفاهيم والمصطلحات الاجتماعية، وهذا ما أدى إلى تعدد مسمياته وتعريفاته، كالإعلام الشبكي والإعلام الإلكتروني والإعلام الرقمي، وغالباً ما ينطوي التعريف به على دمج الإعلام التقليدي بوسائل الاتصال الحديثة وتقنيات الاتصال الرقمي، ولذلك بات من الشائع وصف النشاط الإعلامي اليوم بأنه نتاج اندماج ثلاثة عناصر رئيسية، هي: الكمبيوتر والشبكات والوسائط المتعددة.

بناء على ما سبق، ونظراً لأهمية موضوع الإعلام وراهنيته، تنظم جامعة إسطنبول جيديك التركية وجامعة حران الحكومية وجامعة إغدر الحكومية بالتعاون مع أكاديمية ريمار التركية وبرعاية من بيت الإعلامين العرب في تركيا مؤتمرها الثاني حول الإعلام المعاصر وقضاياه وآفاقه، سعياً منها إلى تسليط الضوء على المفاهيم الجديدة للنشاط الإعلامي، وتكريس البحث المنهجي في رصد أهدافه وآثاره ونتائجه، وتحديد أهميته وأدواره المتعددة، وتقديم المقترحات والرؤى التي تسهم في دور إعلامي أكبر فاعلية في المجالات السياسية والاجتماعية والعلمية وغيرها، وفي رصد العقبات والمشكلات التي تحول دون تحقيق الطموحات التي يسعى الإعلام المعاصر لها، ومن ثم خطط تجاوزها وحلها.

وتدعو إدارة المؤتمر جميع المهتمين من باحثين وأكاديميين وأساتذة جامعيين، سواء المتخصصين بالمجال الإعلامي أو المهتمين بتأثيره وتفاعله مع المجالات الأخرى؛ السياسية والاجتماعية والثقافية والتربوية، للمشاركة في هذا المؤتمر وتقديم ما يسهم في تكوين رصيد علمي لكل المهتمين بهذا الميدان، وذلك ضمن إطار منهجي وعلاقة تفاعلية ينظمها ويشرف عليها الفريق البحثي للمؤتمر.

We use cookies to improve your experience on our site.Site policies can be accessed from Privacy Policy and Cookie Policy links.